في بدايات أي مشروع يتم استغلال كم قليل من الموارد وإنتاج كم قليل جداً من النفايات، ومع استقرار المشروع وتحقيق الفوائد الاقتصادية المرجوة تبدأ المشاريع بالتوسع وزيادة الطاقة الإنتاجية والعمل على نطاق أوسع، وبموازاة هذا التوسع تبدأ بعض الآثار السلبية بالظهور خصوصاً زيادة الموارد المستهلكة والطاقة المستخدمة والنفايات المنتجة والآثار المباشرة وغير المباشرة على صحة العاملين وصحة المجتمع. وبدون ضوابط مناسبة قد يصبح بعض المشاريع عبئاً بيئياً وصحياً يدفع المجتمع والبيئة ثمن القيمة الاقتصادية التي يحققها المشروع.
إن مفهوم العمل الاقتصادي وسد الحاجة لدى بعض فئات المجتمع لا يلغي مسؤولية مالكي المشاريع الاقتصادية عن الحفاظ على صحة الناس وسلامة البيئة. ويأتي دور الجهات الرسمية في المساعدة في الحفاظ على صحة الناس وسلامة البيئة من خلال منظومة قوانين وتشريعات تساهم في توجيه العمل الاقتصادي نحو الممارسات السليمة والآمنة على صحة الناس وتضمن سلامة البيئة. إن القوانين والتشريعات المتعلقة بصحة الناس وسلامة البيئة لا تمنع القيام بأي نشاط تجاري أو صناعي ولكنها تمنع الخطر المصاحب للنشاط الاقتصادي.
تطبق القوانين والتشريعات المختصة بالصحة العامة والبيئة من خلال إجراءات المؤسسات الرسمية في ترخيص المنشآت الاقتصادية وتوفر ضوابط في المجالات التالي:
- كل مشروع اقتصادي يجب أن يكون مرخصاً من الجهات الرسمية بحسب متطلبات القوانين والتشريعات ذات العلاقة
- تخضع كل المشاريع الاقتصادية للتفتيش بشكل دوري للتحقق من التزامها بشروط السلامة وحماية البيئة ويتمتع المفتشون بصفة الضابطة العدلية
- لدى الجهات الرسمية صلاحية إغلاق أي مشروع لا يلتزم بشروط الصحة والسلامة وحماية البيئة وتحويل المخالفين للقضاء
مما سبق نرى أن مخالفة القوانين والتشريعات النافذة قد يكون له عواقب جمة تصل إلى حد إغلاق المشروع وحبس صاحبه وتغريمه اعتماداً على حجم المخالفة وخطورتها. ولأن العديد من منتجات المشاريع الاقتصادية له علاقة مباشرة بصحة المستهلك مثل المنتجات الغذائية ومنتجات العناية بالبشرة وبعض منتجات الحلي والاكسسوارات وغيرها، فإن الاهتمام بمتطلبات الصحة والسلامة وحماية البيئة ليست خياراً بل هي متطلب قانوني والتزام أخلاقي لا مفر من تحقيقه. كما أن الترخيص والالتزام بالشروط الصحية يعتبر ضماناً للمشروع وعاملاً تسويقياً لمنتجاته من قبل الجهات الرسمية التي تؤكد من خلال شهادتها بأن المشروع يلبي الشروط الصحية المطلوبة.
الصحة العامة والبيئة من المجالات الأساسية التي اهتمت بها القوانين والتشريعات والتي تسمح في مجملها بممارسة النشاطات الاقتصادية ضمن ضوابط مناسبة تتيح تحقيق الفائدة الاقتصادية بدون الإضرار بصحة البشر أو إحداث ضرر كبير على البيئة. وتوضح القوانين المتعلقة بالصحة العامة والبيئة المتطلبات الأساسية والخطوط العريضة لمفهوم حماية الصحة العامة والبيئة يرافقها تحليل مفصل لواقع كل مشروع اقتصادي بحسب ظروفه وخصوصيته وتفاصيل العمليات التي يتضمنها والتقنيات المستخدمة وأثر كل منها على الصحة العامة والبيئة. لذلك فإن الحصول على الموافقة البيئية أو الصحية مشروط دائماً بكشف ميداني للوقوف على تفاصيل المشروع بهدف تقدير آثاره المحتملة على الصحة العامة والبيئة.
ويعتبر الحصول على موافقة صحية وبيئية شرطاً أساسياً لترخيص أي منشأة اقتصادية بغض النظر عن حجمها أو مجال عملها بالإضافة لكون الالتزام بشروط حماية الصحة العامة والبيئة شرطاً لتجديد الترخيص. ويتم اشتراط الحصول على موافقة الجهات التالية من أجل الحصول على رخصة تشغيل المنشأة الاقتصادية:
- الدفاع المدني
- دائرة صحة البيئة في وزارة الصحة
- سلطة جودة البيئة (للشركات فقط وغير مطلوبة للحرف)
قانون البيئة رقم 7 لسنة 1999
يتطلب قانون البيئة الفلسطيني اتخاذ التدابير المناسبة للحد من النفايات والانبعاثات والتلوث وهدر المصادر الطبيعية كشرط للسماح بممارسة النشاط التجاري. ولم يحدد القانون كمية النفايات أو الانبعاثات المقبولة وترك تحديدها لجهات الاختصاص، فعلى سبيل المثال حين تشترط المادة 20 من قانون البيئة تنفيذ شروط الصحة والسلامة المهنية يتم الاعتماد في تقدير مدى تلبية تلك الشروط على الدفاع المدني الذي يعطي شهادة للمنشأة بعد تلبيتها لشروط الصحة والسلامة المهنية المطلوبة. بالإضافة لذلك فقد تم إصدار مجموعة من القرارات الملحقة بقانون البيئة تختص بتفاصيل بعض الصناعات ومجالات العمل مثل مناشير الحجر ومصانع الباطون وغرف الأشعة وأبراج البث الخليوي وغيرها.
ويبقى هنالك هامش لا تغطيه القرارات الملحقة بقانون البيئة الفلسطيني او جهات الاختصاص حيث يكون البت فيه لطواقم سلطة جودة البيئة اعتماداً على الكشف الميداني ونتائج تحليل الأثر البيئي للمشروع.
قانون الصحة العامة م 20 لسنة 2004
يشترط قانون الصحة العامة الحصول على موافقة وزارة الصحة كشرط لترخيص أي عمل تجاري أو حرفي ويمنع مزاولة أي مهنة بدون الحصول على موافقة وزارة الصحة. وهذا يجعل من الحصول على موافقة دائرة صحة البيئة خطوة إلزامية في ترخيص أي مشروع اقتصادي بغض لنظر عن حجمه أو مجال عمله. ويحدد قانون الصحة العامة دور وزارة الصحة في هذا الإطار بما يلي:
- الجانب الصحي
- تحديد الشروط الصحية الواجب توافرها في العاملين في مهن أو حرف أو صناعات يمكن أن تؤثر على صحتهم
- تحديد أنواع الفحوصات الطبية الأولية والوقائية الدورية اللازمة للعاملين في تلك المهن أو الحرف أو الصناعات
- إعداد قائمة بالأمراض المهنية
- الجانب البيئي
تحديد الشروط والضوابط الخاصة بما يلي:
- نقل المواد أو النفايات الخطرة أو تخزينها أو معالجتها أو التخلص منها
- تداول واستخدام مبيدات الآفات لأغراض الزراعة أو الصحة العامة
- جمع المياه العادمة ومياه الأمطار أو معالجتها أو إعادة استخدامها أو التخلص منها
- حظر استخدام مياه الصرف الصحي لأغراض تسميد الأراضي الزراعية، أو ري المزروعات الحقلية، إلا وفقاً للشروط والضوابط التي تحددها الوزارة بالتنسيق مع الجهات المعنية
ونظراً لعدم وجود قائمة مفصلة وثابتة تغطي كافة المجالات والحالات بسبب التنوع الهائل في تفاصيل المشاريع وبنيتها التحتية وعملياتها الإنتاجية وظروفها فإن موافقة وزارة الصحة تعطى على أساس الكشف الميداني الذي ينفذه أطباء الوزارة المختصون. وخلال الكشف الميداني يتم تقييم الظروف الصحية وتحديد أي مخاطر صحية بحسب الممارسات والقواعد الصحية المتعارف عليها في القواعد والممارسات الصحية الدارجة وعليه يتم تحديد المتطلبات والشروط الصحية اللازم توفيرها من أجل منح الترخيص.
قانون الدفاع المدني رقم 3 لسنة 1998
يهتم قانون الدفاع المدني بضمان جهوزية الجمهور والمرافق لمواجهة الكوارث وتحقيق متطلبات الصحة والسلامة المهنية. وفي هذا الإطار يتدخل الدفاع المدني في 3 مراحل كما يلي:
- الترخيص الإنشائي للمرافق لضمان قدرتها لمواجهة الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية وإمكانية استغلالها كملاجئ أو مرافق لدعم عمليات الإنقاذ أو الإيواء
- السماح بتشغيل المرافق من خلال منح إذن التشغيل بناءً على كشف ميداني للتحقق من الالتزام بمواصفات الإنشاء التي تم منح رخضة البناء على أساسها.
- التحقق من ظروف السلامة والصحة المهنية بشكل دوري (سنوي في الغالب) وذلك من خلال كشف ميداني على المنشآت للتحقق من عدم وجود مخاطر تهدد سلامة العاملين أو المجاورين أو الممتلكات.